شروط النهضة ~ مالك بن نبي.

    دونها: السعيد بوحملة التصنيف: »


    شروط النهضة ~ مدونة أفنان مثمرة




    اقتباساتي من الكتاب:


    ... ومن سنن الله في خلقه أنه عندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم، والعكس صحيح أحياناً.

    ... وهكذا كان شأن الجزائر فإنها كانت حتى عام 1925 - على الرغم من اسلامها - تدين بالوثنية، التي قامت نُصبها في الزوايا، هنالك كنت تذهب الأرواح الكاسدة لالتماس البركات، ولاقتناء الحروز ذات الخوارق والمعجزات، غير أنه ما ان سطع نور الفكرة الإصلاحية حتى تحطم ذلك المعبد  فخرّت الأوثان مع أسف عماتنا وخالاتنا اللاتي أدهشهن ما رأين.

    ... لا يجوز لنا أن نغفل عن الحقائق، فالحكومة مهما كانت ما هي إلا آلة اجتماعية تتغير تبعا للوسط الذي تعيش فيه وتتنوع معه، فإذا كان الوسط نظيفاً حراً، فما تستطيع الحكومة أن تواجهه بما ليس فيه، وإذا الوسط كان متسما بالقابلية إلى الاستعمار فلا بد أن تكون حكومته استعمارية.

    لقد أصبحنا لا نتكلم إلا عن حقوقنا المهضومة، ونسينا الواجبات، ونسينا أن مشكلتنا ليس فيما نستحق من رغائب، بل فيما يسودنا من عادات، وما يراودنا من أفكار، وفي تصوراتنا الاجتماعية، بما فيها من قيم الجمال والأخلاق..وما فيها أيضا من نقائص تعتري كل شعب نائم.

    الحضارة هي التي تلد منتجاتها.

    من الرجل تنبع المشكلة الاسلامية بأكملها، وبخاصة في الجزائر، فالمسأله هي:
    يجب أولاً أن نصنع رجالاً يمشون في التاريخ، مستخدمين التراب والوقت والمواهب في بناء أهدافهم الكبرى.

    مشكلة الثقافة لا تخص طبقة دون أخرى، بل تخص مجتمعنا كله، بما فيه المتعلم والصبي الذي لمّا يبلغْ مرحلة التعلم، إنها تشمل المجتمع كله، من أعلاه إلى أسفله، إن بقي هناك علو في مجتمع فقد حاسة العلو، فأصبحت هذه الحاسة أفقية عنده، زاحفة، راقدة.

    ... وهذا شأن شبابنا في نظرتهم إلى الأشياء، فإن أكبر مصادر خطئنا في تقدير المدنية الغربية أننا ننظر إلى منتجاتها وكأنها نتيجة علوم وفنون وصناعات، وننسى أن هذه العلوم والفنون والصناعات ماكان لها أن توجد لولا صِلات اجتماعية خاصة. لا تُتصور هذه الصناعات والفنون بدونها، فهي الأساس الخلقي، الذي قام عليه صرح المدنية الغربية، في علومه وفنونه، بحيث لو ألغينا ذلك الأساس لسرى الإلغاء على جميع ما نلاحظه اليوم من علوم وفنون ..

    ... العدالة الشكلية تذهب أحياناً إلى أن "الجُبّة" تصنع الشيخ، كما أن القبعة تصنع القسيس.

    وليس من شك في أن مصطفى كمال حينما فرض القبعة لباساً وطنياً للشعب، إنما أراد بذلك تغيير نفس، لا تغيير ملبس، إذ أن الملبس يحكم تصرفات الانسان إلى حدّ بعيد

    ... الحضارة لا تنبعث - كما هو ملاحظ - إلا بالعقيدة الدينية، وينبغي أن نبحث في حضارة من الحضارات عن أصلها الديني الذي بعثها، ولعله ليس من الغلو في شيء أن يجد التاريخ في البوذية بذور الحضارة البوذية، وفي البرهمية نواة الحضارة البرهمية.

    ... فماركس ومدرسته يذهبان إلى أن كل اكتمال تاريخي لا يكون إلا نتيجة الضرورات المادية، وحاجات الإنسان الأساسية، وبالتالي الوسائل الفنية التي يخترعها ويستعملها في تلبية تلك الحاجات، فالحاجة والفن الصناعي يمثلان في نظر ماركس مركزي التقاطب لقوى الانتاج، المركزين اللذين يحددان العلاقات الاجتماعية الخاصة بحضارة معينة، كما يحددان هذه الحضارة ذاتها، معنويا وماديا.
    ولكن هذه النظرية لا تفسر لنا النقطة الأساسية الماثلة فيما يحدث من تفكك العلاقات الاجتماعية، وتلاشي الحضارات، دون ظهور أي تغيير في طبيعة الحاجات ووسائل الانتاج، فحضارات أمريكا السابقة على العهد الكولومبي، وكذلك الحضارة الرومانية لم تتلاشى لفقدها الوسائل الصناعية والحاجات.

    المراحل التي تمر بها أي حضارة:

    إنها الروح في صوت بلال هي التي تتكلم وتتحدى بلغتها الدم واللحم. كما أن ذلك الصحابي كأنه يتحدى بسبابته المرفوعة الطبيعة البشرية ويرفع بها في لحظة معينة مصير الدين الجديد، كما أنها هي نفسها تتحدث بصوت تلك " المرأة الزانية " التي أقبلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لتعلن عن خطيئتها وتطلب إقامة حد الزنى عليها. فالوقائع هذه جميعها تخرج عن معايير الطبيعة، وتدل على أن الغريزة قد كبتت، غير أنها ظلت محتفظة بنزوعها إلى التحرر، وهنا ينشب الصراع المحتدم بين هذا النزوع وسيطرة الروح.

    فأوج أي حضارة - وأعني به ازدهار العلوم والفنون فيها - يلتقي من وجهة نظر "علم العلل" البحت - مع بدء مرض اجتماعي معين لمّا يجتذب انتباه المؤرخين وعلماء الاجتماع بعد. لأن آثاره المحسوسة لا تزال بعيدة. وبهذا تواصل الغريزة المكبوحة الجماح بيد الفكرة الدينية سعيها إلى الانطلاق والتحرر وتستعيد الطبيعة غلبتها على الفرد وعلى المجتمع شيئا فشيئا.

    ... فدورة الحضارة إذن تتم على هذا المنوال: إذ تبدأ حينما تدخل التاريخ فكرة دينية معينة، أو "عندما يدخل التاريخ مبدأ أخلاقي معين" على حد قول "كيسرلنج"، كما أنها تنتهي حينما تفقد الروح نهائيا الهيمنة التي كانت لها على الغرائز المكبوتة أو المكبوحة الجماح.

    .. ومن الملاحظ أنه في القرن العشرين يتأثر الفرد في المجتمع بثلاث مؤثرات: أولا بفكره. ثانيا: بعمله. ثالثا: بماله.

    ... وبهذا يمكن أن يقاس الفرق الضروري بين الثقافة والعلم:
    ولكي نفهم الفرق يجب أن نتصور - من ناحية - فردين مختلفين في الوظيفة وفي الظروف الاجتماعية، ولكنهما ينتميان إلى مجتمع واحد، كطبيب انجليزي وراع انجليزي مثلا.
    ومن ناحية أخرى نتصور فردين متحدين في العمل والوظيفة، ولكنهما ينتميان إلى مجتمعين مختلفين في درجة تقدمهما وتطورهما، فالأولان يتميز سلوكهما إزاء مشكلات الحياة بتماثل معين في الرأي، يتجلى فيه ما يسمى "الثقافة الانجليزية"
    بينما يختلف سلوك الآخرين أحيانا اختلافا عجيبا يدل على طابع الثقافة الذي يميز أحد الرجلين عن صاحبه، لأنه يميز المجتمع الذي ينتمي إليه.
    فالثقافة إذن تتعرف بصورة عملية على أنها: مجموعة من الصفات الخُلُقية، والقيم الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته.


    إن الجمال هو وجه الوطن في العالم، فلنحفظ وجهنا، لكي نحفظ كرامتنا، ونفرض احترامنا على جيراننا، الذين ندين لهم بنفس الاحترام.


    ... ولقد يقال: إن المجتمع الإسلامي يعيش طبقا لمبادئ القرآن. ومع ذلك فمن الأصوب أن نقول: إنه يتكلم تبعاً لمبادئ القرآن، لعدم وجود المنطق العملي في سلوكه الإسلامي.


    ألم نقل: إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة، ولكن منطق العمل والحركة، فهو لا يفكر ليعمل، بل ليقول كلاما مجردا، بل أكثر من ذلك، فهو أحيانا يكره أولئك الذين يفكرون تفكيرا مؤثرا، ويقولون كلاما منطقيا من شأنه أن يتحول في الحال إلى عمل ونشاط.


    ومن هنا يأتي عقمنا الاجتماعي، فنحن حالمون ينقصنا المنطق العملي، ولننظر إلى الأم التي تريد أن تربي ولدها، فهي إما أن تبلّده بمعاملة أم متوحشة، وإما أن ترخي له العنان، وتتميع معه، فإذا أبدت إشارة أو أصدرت أمرًا، شعر الطفل بتفاهة إرادتها، فلم يعبأ بها، إذ أن الوهن والسُّخف يطبعان منطق قولها، حتى في عين هذا الصبي المسكين.


    عندما تظهر المرأة المسلمة بالبيكيني على "البلاج" العمومي، فهذا لا يعني أن المجتمع الإسلامي قد غيّر ملبسه، بل إنه قد بدأ يغير اتجاهه الأصيل، مستعيرا دوافع التعبير من مجتمع آخر دون أن يشعر.


    وعليه فإن كل ثقافة تتضمن علاقة "مبدأ أخلاقي - ذوق جمالي" تكون ذات دلالة على نوع عبقرية مجتمع معين.


    قلنا أن حل مشكلة الإنسان يتكامل في ثلاث عناصر أساسية هي: توجيه الثقافة، وتوجيه العمل، وتوجيه رأس المال.


    ولسنا نرى في الأقاويل التي تقوّلها على حقوق المرأة أدعياء تحريرها، أو الذي يطالبون بإبعادها من المجتمع إلا تعبيرا عن نزعات جنسية لا شعورية.

    لقد بدأت المرأة المسلمة التي كانت إلى زمن قريب تلبس (الملاية) في إفراط - تسلك في سيرها الاجتماعي الطريق الذي رسمته أوربا لنسائها، متخيّلة في ذلك حلًّا لمشكلتها الاجتماعية.
    ونحن نأسف أن يكون نساء الشرق بهذه الدرجة من البساطة، حين يرين مشكلتهن قد حُلّت بمثل هذا التقليد لنساء أوربا.

    ... فظهور المرأة الأوربية في مظهر لا يخاطب في نفس الفرد إلاّ غريزته أثار أخطاراً جديدة، كنا نودّ أن يكون المجتمع بمنجاة منها، فمشكلة النسل في البلاد الأوربية وصلت إلى حالة تدعو أحياناً إلى الرثاء، إذ أنها فقدت تنظيمها الاجتماعي، بحيث جعلت المجتمع الأوربي - وقد امّحت منه معاني التقديس للعلاقات الجنسية - يعتبر هذه العلاقات تسلية للنفوس المتعطلة، وبذلك فقدت وظيفتها من حيث هي وسيلة لحفظ الأسرة، وبقاء المجتمع.

    وتحديدنا لعمل المرأة في المجتمع جدير بالاعتبار، فمن المعلوم أن المرأة الأوربية كانت ضحية هذا الاعتبار، لأن المجتمع الذي حررها قذف بها إلى أتون المصنع، وإلى المكتب، وقال لها: "عليك أن تأكلي من عرق جبينك". في بيئة مليئة بالأخطار على أخلاقها، وتركها في حربة مشؤومة، ليس لها ولا للمجتمع فيها نفع، ففقدت - وهي مخزن العواطف الانسانية - الشعور بالعاطفة نحو الأسرة، وأصبحت بما ألقي عليها من متاعب العمل صورة مشوهة للرجل، دون أن تبقى امرأة.

    ونقطة الانطلاق في كل إصلاح اجتماعي، هي أولاً توفير القوت والملبس، ثم نطرح القضية على بساط التخطيط.

    إنّ من الصعب أن يسمع شعب ثرثار الصوت الصامت لخطى الوقت الهارب.

    .. إنه الاستعمار. نعم إنه قد خلع علينا بابنا، وزعزع دارنا، وسلب منا أشياء ثمينة.
    ولقد أخذ من حريتنا وسيادتنا وكرامتنا، وكتبنا المنسية، وجواهر عروشنا، وأرائكنا الناعمة، التي كنا نود لو بقينا عليها نائمين..
    ولكن إذا كان هذا هو الواقع الاستعماري فيجب أن نعترف بأنه أيقظ الشعب الذي استسلم لنوم عميق، بعد الغداء الدسم الذي أكله عندما كان برفل في نعم حضارته والتاريخ قد عودنا أن كل شعب يستسلم للنوم، فإن الله يبعث عليه سوطاً يوقظه.




    عدد زوار المدونة: