![]() |
مدارك النظر في السياسة ~ عبد المالك رمضاني |
اقتباساتي من الكتاب:
قال الله تعالى:{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وقال ابن القيم: " العالِم بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة فهو المجتهد في النوازل، فهذا النوع الذي يَسوغ لهم الإفتاء ويَسوغ استفتاؤهم ويتأدى بهم فرضُ الاجتهاد، وهم الذين قال فيهم رسول الله : (( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّد لها دينها )) ".
قال الحسن البصري: " إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كلُّ عالم، و إذا أدبرت عرفها كلُّ جاهل ".
قال عبد الحميد بن باديس: " فإننا اخترنا الخطة الدينية على غيرها عن علم وبصيرة ... ولو أردنا أن ندخُل الميدان السياسي لدخلناه جهراً ... ولقُدنا الأمّة كلها للمطالبة بحقوقها، ولكان أسهل شيءٍ علينا أن نسير بها على ما نرسمه لها، وأن نَبْلغ من نفوسها إلى أقصى غايات التأثير عليها؛ فإن مما نعلمه، ولا يخفى على غيرنا أن القائد الذي يقول للأمّة: (إنّكِ مظلومة في حقوقك، وإنّني أريد إيصالكِ إليها)، يجد منها ما لا يجد من يقول لها: (إنّك ضالة عن أصول دينك، وإنّني أريد هدايتَك)، فذلك تلبِّيه كلها، وهذا يقاومه معظمُها أو شطرُها ...".
قال محمد البشير الإبراهيمي: " أوصيكم بالابتعاد عن هذه الحزبيات التي نَجَمَ بالشّر ناجمُها، وهجم ـ ليفتك بالخير والعلم ـ هاجمُها، وسَجَم على الوطن بالملح الأُجاج ساجِمُها، إنّ هذه الأحزاب! كالميزاب؛ جمع الماء كَدَراً وفرّقه هَدَراً، فلا الزُّلال جمع، ولا الأرض نفع! ".
قال ابن خلدون: " ومن هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة والفقهاء؛ فإن كثيرا من المنْتَحِلين للعبادة وسلوك الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجَور من الأمراء، داعين إلى تغيير المنكر والنهي عنه، والأمر بالمعروف رجاءً في الثواب عليه من الله، فيَكثُر أتباعُهم والمتشبِّثون بهم من الغوغاء والدهماء، ويُعَرِّضون أنفسهم في ذلك للمهالك، وأكثرهم يَهلكون في تلك السبيل مأزورين غير مأجورين؛ لأن الله سبحانه لم يَكتب ذلك عليهم ... ".
قال الحسن البصري: " والله! لو أنّ الناس إذا ابتُلُوا مِن قِبَل سلطانهم صبروا، ما لبِثوا أن يرفع اللهُ ذلك عنهم؛ وذلك أنهم يَفزَعون إلى السيف فيوكَلُوا إليه! ووالله! ما جاؤوا بيوم خير قطّ!"، ثم تلا: {وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ودَمَّرْنا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُون}.
" ذَكَر اللهُ أنه يرفع درجات من يشاء في قصة مناظرة إبراهيم وفي قصة احتيال يوسف، ولهذا قال السلف: بالعلم؛ فإن سياق الآيات يدلّ عليه، فقصة إبراهيم في العلم بالحجة والمناظرة لدفع ضرر الخصم عن الدين، وقصة يوسف في العلم بالسياسة والتدبير لتحصل منفعة المطلوب، فالأول: علم بما يدفع المضار في الدين، والثاني: علم بما يجلب المنافع.
أو يقال: الأول: هو العلم بما يدفع المضرة عن الدين ويجلب منفعته، والثاني: علم بما يدفع المضرة عن الدنيا ويجلب منفعتها.
أو يقال: الأول: هو العلم بما يدفع المضرة عن الدين ويجلب منفعته، والثاني: علم بما يدفع المضرة عن الدنيا ويجلب منفعتها.
إذن فالذين يتصوّرون قيام دولة الإسلام بمجرد عاطفةٍ إسلامية، وفكرٍ مجـرّد عن حـجّـة الشـرع يسمّونـه فكـراً إسلاميًّا! ونتفٍ من العلم يسمونها ( ثقافةً إسلاميةً!)، وأن التعليم مرحلة قادمة بعدها، فهؤلاء طالبو سراب؛ لأنهم يتخيَّلونها بلا قوة ولا أسباب، وأُولى القوّتين قوةُ الدين الذي عليه وعد الله المؤمنين بالنصر فقال: {وكان حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِين}؛ ولهذا قال ابن القيم: " ولما كان جهادُ أعداء الله في الخارج فرعاً على جهاد العبد نفسَه في ذات الله، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): » المجاهِدُ من جاهَدَ نفسَه في طاعة الله، والمهاجِرُ من هجَرَ ما نهى اللهُ عنه «( )، كان جهادُ النَّفْس مُقَدَّماً على جهاد العدوّ في الخارج وأصلاً له؛ فإنه مَن لم يجاهد نفسَه أولاً لتفعل ما أُمِرَت به وتترك ما نُهيَت عنه ويحارِبْها في الله، لم يمْكِنْهُ جهادُ عدوِّه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوِّه والانتصاف منه، وعدوُّه الذي بين جنبيه قاهرٌ له، متسلِّطٌ عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله؟! بل لا يمكنه الخروج إلى عدوِّه حتى يجاهد نفسه على الخروج.
فهذان عدوّان قد امتُحِن العبدُ بجهادهما، وبينهما عدوٌّ ثالثٌ، لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقفٌ بينهما يُثبِّطُ العبدَ عن جهادهما ويُخذِّلُه ويُرجِف به، ولا يزال يخيِّل له ما في جهادهما من المشاقِّ وترك الحظوظ وفَوْت اللذات والمشتهيات، ولا يمكنه أن يجاهد ذَيْنك العدوَّيْن إلا بجهاده، فكان جهاده هو الأصل لجهادهما، وهو الشيطان، قال تعالى: {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}، والأمر باتخاذه عدوًّا تنبيهٌ على استفراغ الوُسْع في محاربته ومجاهدته، كأنه عدوٌّ لا يفْتُر ولا يقصر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس "( ).
فهذان عدوّان قد امتُحِن العبدُ بجهادهما، وبينهما عدوٌّ ثالثٌ، لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقفٌ بينهما يُثبِّطُ العبدَ عن جهادهما ويُخذِّلُه ويُرجِف به، ولا يزال يخيِّل له ما في جهادهما من المشاقِّ وترك الحظوظ وفَوْت اللذات والمشتهيات، ولا يمكنه أن يجاهد ذَيْنك العدوَّيْن إلا بجهاده، فكان جهاده هو الأصل لجهادهما، وهو الشيطان، قال تعالى: {إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}، والأمر باتخاذه عدوًّا تنبيهٌ على استفراغ الوُسْع في محاربته ومجاهدته، كأنه عدوٌّ لا يفْتُر ولا يقصر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس "( ).
وقال ابن القيم: " تالله! ما عَدَا عليك العدوُّ إلا بعد أن تَوَلَّى عنك الوَلِيُّ، فلا تظنّ أن الشيطان غَلَبَ ولكن الحافظ أَعْرَض "( ).
وعن الحسن قال: " كانوا يقولون: موت العالم ثُلْمة في الإسلام لا يَسُدُّها شيء ما اختلف الليل والنهار "( ).
وعن هلال بن خباب قال: سألت سعيد بن جبير قلت: يا أبا عبد الله! ما علامة هلاك الناس؟ قال: " إذا هلك علماؤهم "( ).
وعن هلال بن خباب قال: سألت سعيد بن جبير قلت: يا أبا عبد الله! ما علامة هلاك الناس؟ قال: " إذا هلك علماؤهم "( ).
قال أبو هريرة :
" والله الذي لا إله إلا هو لولا أبو بكر استُخلف ما عُبد الله "، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أباهريرة! فقال: " إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وَجَّه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قُبض رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وارتدت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)فقالوا: يا أبا بكر! رُدَّ هؤلاء، تُوجِّه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدَّت العرب حول المدينة؟! فقال: " والذي لا إله غيره، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله (صلى الله عليه وسلم)ما رددتُ جيشا وجَّهه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولا حلَلْتُ لواء عَقَده رسولُ الله "، فوجَّه أسامة، فجعل لا يمرّ بقبيلٍ يريدون الارتداد إلا قالوا: لولا أنَّ لهؤلاء قوة ما خرج مِثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندَعهم حتى يَلقوا
الروم، فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين، فثبتوا على
الإسلام "( ).
هذا هو تمسك أبي بكر بالسنة على الرغم من فاجعة موت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وفاقرة ارتداد العرب، أضف إليهما تثبيط الناس له انطلاقا من العقل الذي يقضي بما قضوا به، ولكن الشرع الذي تعلَّمه أبو بكر من النبي (صلى الله عليه وسلم)هو الذي هداه إلى ما شحَّت به قرائحُهم؛ ألا وهو خوفُه (رضي الله عنه)من تأخير ما قدَّمه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فكانت عاقبة التمسك بالسنة الانتصار على العدو والثبات على الإسلام.
" والله الذي لا إله إلا هو لولا أبو بكر استُخلف ما عُبد الله "، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أباهريرة! فقال: " إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وَجَّه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قُبض رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وارتدت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)فقالوا: يا أبا بكر! رُدَّ هؤلاء، تُوجِّه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدَّت العرب حول المدينة؟! فقال: " والذي لا إله غيره، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله (صلى الله عليه وسلم)ما رددتُ جيشا وجَّهه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولا حلَلْتُ لواء عَقَده رسولُ الله "، فوجَّه أسامة، فجعل لا يمرّ بقبيلٍ يريدون الارتداد إلا قالوا: لولا أنَّ لهؤلاء قوة ما خرج مِثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندَعهم حتى يَلقوا
الروم، فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين، فثبتوا على
الإسلام "( ).
هذا هو تمسك أبي بكر بالسنة على الرغم من فاجعة موت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)وفاقرة ارتداد العرب، أضف إليهما تثبيط الناس له انطلاقا من العقل الذي يقضي بما قضوا به، ولكن الشرع الذي تعلَّمه أبو بكر من النبي (صلى الله عليه وسلم)هو الذي هداه إلى ما شحَّت به قرائحُهم؛ ألا وهو خوفُه (رضي الله عنه)من تأخير ما قدَّمه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فكانت عاقبة التمسك بالسنة الانتصار على العدو والثبات على الإسلام.
{وإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً. فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً}، قال ابن القيم: " توَعَّدهم بأنهم إذا أصابتهم مصيبة في عقولهم وأديانهم وبصائرهم وأبدانهم وأموالهم بسبب إعراضهم عما جاء به الرسول وتحكيم غيره والتحاكم إليه كما قال تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} اعتذَروا بأنهم إنما قصدوا الإحسان والتوفيق
الأولى: أن سبب كفرهم هو تعظيمهم علماءهم حتى غضّوا من حق الله ورسوله في التحاكم إليهما، فعن عدي بن حاتم قال: أتيتُ النبي وفي عنقي صليب من ذهب، فقال:» يا عديّ! اطرح عنك هذا الوثن «، وسمعته يقرأ من سورة براءة {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِن دُونِ اللهِ}، قال: (( أمَا إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أَحلُّوا لهم شيئا استحلّوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئا حرَّموه ))( ).
وتأمّل فقه ابن تيمية حين قال بعد كلامه السّابق بصفحتين: " والعقوبة في الدنيا تكون لدفع ضرره عن المسلمين، وإن كان في الآخرة خيرا ممّن لم يُعاقَب، كما يُعَاقَب المسلم المُتَعَدِّي للحدود ولا يُعَاقَب أهل الذِّمّة من اليهود والنّصارى، والمسلم في الآخرة خير منهم ".
قال ابن القيم: " وكذلك جهاد المنافقين إنما هو بتبليغ الحجة .. " إلى أن قال: " فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواصّ الأمة وورثة الرسل. والقائمون به أفراد في العالم، والمشاركون فيه والمعاونون عليه ـ وإن كانوا هم الأقلِّين عدداً ـ فهم الأعظمون عند الله قَدْراً .. "
قلت: ولذلك قال ابن هبيرة في حديث أبي سعيد في قتال الخوارج: " وفي الحديث أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين؛ والحكمة فيه أن قتالهم حفظ رأس مال الإسلام، وفي قتال أهل الشرك طلب الربح؛ وحفظ رأس المال أولى "( ).
وقد يشتد المؤمن في إنكاره على أخيه أكثر منه مع عدوّه، ألم تر كيف لاَنَ موسى مع فرعون، واشتد على أخيه هارون ، حتى كان منه ما قصه الله تعالى بقوله: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}، فهل لأحد أن يحتج عليه بالولاء والبراء، متهِما له بأنه يبسط لسانه ويده على أخيه ويلطف بالطواغيت؟!
بل ربما كان النبي يُعنِّف العلماء من أصحابه إذا أخطأوا أكثر من غيرهم، وخذ على سبيل المثال قوله لمعاذ حين أطال الصلاة بالناس: » أفتّان أنت يا معاذ؟! « متفق عليه، ويقابله تلطفه بالأعرابي الذي بال في المسجد كما في صحيح البخاري وغيره
بل ربما كان النبي يُعنِّف العلماء من أصحابه إذا أخطأوا أكثر من غيرهم، وخذ على سبيل المثال قوله لمعاذ حين أطال الصلاة بالناس: » أفتّان أنت يا معاذ؟! « متفق عليه، ويقابله تلطفه بالأعرابي الذي بال في المسجد كما في صحيح البخاري وغيره
اجتمع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بعلي بن حاج القائد الروحي
ـ كما يقولون ـ للحزب الجزائري: الجبهة الإسلامية للإنقاذ وكان الشيخ على دراية دقيقة بحوادثهم، وبلغه أن مؤيِّديهم يُعَدُّون بالملايين، فكان مما سأله عنه ما أُثبتُه هنا اختصارا أن قال له الشيخ: " أَكُلُّ الذين معك يعرفون أن الله مستوٍ على عرشه؟ " وبعد أخذ وردّ، وتهرّب وصدّ، قال المسئول: نرجو ذلك! قال له الشيخ: " دَعْك من الجواب السياسي! "، فأجابه بالنفي، فقال الشيخ: " يكفيني منك هذا! "( ).
ـ كما يقولون ـ للحزب الجزائري: الجبهة الإسلامية للإنقاذ وكان الشيخ على دراية دقيقة بحوادثهم، وبلغه أن مؤيِّديهم يُعَدُّون بالملايين، فكان مما سأله عنه ما أُثبتُه هنا اختصارا أن قال له الشيخ: " أَكُلُّ الذين معك يعرفون أن الله مستوٍ على عرشه؟ " وبعد أخذ وردّ، وتهرّب وصدّ، قال المسئول: نرجو ذلك! قال له الشيخ: " دَعْك من الجواب السياسي! "، فأجابه بالنفي، فقال الشيخ: " يكفيني منك هذا! "( ).
والذمة تبرَأ بالإسناد
وأعظَم من هذا كله أن الديار الجزائرية حظيَت بعناية أكبر محدِّثي هذا العصر، ألا وهو الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ حفظه الله ـ؛ فقد أخبر الثقة أنه حضر عنده في بيته، فجاءته خمسون مكالمة هاتفية من الجزائر في مجلس واحد! فكان ـ حفظه الله ـ غرسه بالأردن، وثمار دعوته ممتدة إلى الجزائر، فسبحان الله الهادي! أقول هذا لأن الكثير ظنّ أن سلفية الجزائر هي مولود ( الجبهة الإسلامية للإنقاذ )، كلا! فإنه لا وجود لهذه الجبهة يومئذ، بل كان علي بن حاج في السجن الأول نسياً منسيًّا.
أما الإخوان العالميون فقد أظهروا بقوة رفضهم للتحزب، وتظاهروا بسلوك طريق التربية، وأعلن ذلك أميرهم محفوظ نحناح في الجرائد بلا خفاء، وهم يترقَّبون يوم مذبحة الجبهة ليقال لهم: يا لكم مِن حكماء!، ولكن ذلك لم يحصل، بل هالهم أن نجحت الجبهة في الانتخابات البلدية وامتدّ سلطانها، وظنوا المُلْك غنيمة باردة، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى قصروا عمر الحكمة وخلعوا برقع التربية، وقالوا: " السياسة من الدين ولا بد من الحزبية! "، لكن قطار الجبهة حشد الحشود ولم يُبقِ لهم من الأصوات ظَهراً مركوبا إلى الحكم إلا بحّة شيوعية ووطنية، فكانوا كالشاة العائرة بين غنمين، وأخيرا تحالفوا مع الأحزاب الشيوعية والوطنية! نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
وفي آخر سنة (1411هـ) غيَّر النظام الحاكم قانون الانتخابات، ورأت جبهة الإنقاذ أنها مكيدة مدبَّرة، فدعت إلى إضراب عام عن العمل، واعتصموا ببعض الساحات العامة، وبدأ الجدّ يظهر بعد هذه ( المسرحية )، فمِن الجبهة عنف اللسان، ومِن مخالفيهم عنف السِّنان. وبينما أنا في بيتي في حيّ يقال له: جسر قسنطينة، إذ سمعت صارخا من مكبِّر صوت المسجد ينَدِّد بفعل بعض عسكر الدولة، لكنه أرشد إلى الصبر، فحمدت الله. ولم ألبث إلا قليلا فإذا بصارخ آخر من مسجد ثان يكرِّر التنديد، لكنه مصحوب بالنداء إلى الجهاد!! فقلتُ في نفسي: " هذا ( حزب إسلامي ) يريد إقامة دولة الإسلام وقد عجز عن توحيد كلمة مسجدين في هذا الظرف العصيب؟ يا لها من مغامرة يُساق إليها بلد مسلم! قد فعلْتَها بهذه الأمة يا ابن حاج!" ففزعت إلى الصلاة، ولم أشعر حتى فاضت عيناي بالدمع، وجال في مُخَيَّلتي قصة حماة بسورية، {ولَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ}.
وفي سنة (1412هـ) دخلت الأحزاب الترشيحات البرلمانية، وفازت جبهة الإنقاذ في الدور الأول منها، ثم تغيَّرت الأوضاع فجأة، واستقال رئيس الجمهورية ابن جديد، واستبدلت الحكومة بأخرى ...
وفي آخر سنة (1411هـ) غيَّر النظام الحاكم قانون الانتخابات، ورأت جبهة الإنقاذ أنها مكيدة مدبَّرة، فدعت إلى إضراب عام عن العمل، واعتصموا ببعض الساحات العامة، وبدأ الجدّ يظهر بعد هذه ( المسرحية )، فمِن الجبهة عنف اللسان، ومِن مخالفيهم عنف السِّنان. وبينما أنا في بيتي في حيّ يقال له: جسر قسنطينة، إذ سمعت صارخا من مكبِّر صوت المسجد ينَدِّد بفعل بعض عسكر الدولة، لكنه أرشد إلى الصبر، فحمدت الله. ولم ألبث إلا قليلا فإذا بصارخ آخر من مسجد ثان يكرِّر التنديد، لكنه مصحوب بالنداء إلى الجهاد!! فقلتُ في نفسي: " هذا ( حزب إسلامي ) يريد إقامة دولة الإسلام وقد عجز عن توحيد كلمة مسجدين في هذا الظرف العصيب؟ يا لها من مغامرة يُساق إليها بلد مسلم! قد فعلْتَها بهذه الأمة يا ابن حاج!" ففزعت إلى الصلاة، ولم أشعر حتى فاضت عيناي بالدمع، وجال في مُخَيَّلتي قصة حماة بسورية، {ولَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ}.
وفي سنة (1412هـ) دخلت الأحزاب الترشيحات البرلمانية، وفازت جبهة الإنقاذ في الدور الأول منها، ثم تغيَّرت الأوضاع فجأة، واستقال رئيس الجمهورية ابن جديد، واستبدلت الحكومة بأخرى ...
علي بن حاج والعلماء
لم يتعلم هذا الشابّ على أيدي أهل العلم، فتكوينه العلمي حصيلة دراسته على الكتب، ومن زعم أنه تتلمذ على يدي الشيخ عبداللطيف سلطاني أو الشيخ العرباوي ـ رحمهما الله ـ فقد غلط، بل ماتا وهما ساخطان عليه، وهذا شيء يعرفه كل من يسكن عاصمة الجزائر، ثم كل ما هنالك أن الرجل حضر بصفة متقطعة جداً بعض الدروس التي كان يُلقيها الشيخ العرباوي في مسجد
» جنان المبروك « في شرح كتاب » بداية المجتهد « لابن رشد( ).
وقد بدا لي من خلال معرفتي به الطويلة أن السجن الأول ـ قبل فتنة الأحزاب هذه ـ أثَّر فيه أثراً بالغا، وذلك من ناحيتين:
الأولى: أنه أخبرني هو أنه عكف على كتب الإخوان المسلمين وفَلاَها فَلْياً، بغرض انتقادها ـ كما زعم ـ وسمى لي منها كتب محمد الغزالي والقرضاوي وسيد قطب، لكنه لم يلبث أن تأثر بها؛ يدلُّ عليه انقباضه من العلماء بعد خروجه من السجن الأول، ومن العلماء السلفيين خاصة!
ولئن قلتَ كيف يستقيم هذا ونحن نسمع أنه سلفيّ؟
قلت: إن الذي لم يقنع بما عليه السلفيون منذ عهدهم الأول حتى يبتدع سلفية حركية، لن يجيء ـ مهما طوَّر الأسلوب وحوَّر في العبارات ـ إلا ببنت الإخوانية! ولو قرأتَ لهذا الرجل ما كتب لما استغربت،كيف وجلّ نقولاته عن الإخوان، من سيد قطب وأخيه محمد وعبدالقادر عودة وصلاح الخالدي وحسن البنا وحتى من محمد عبدالقادر أبي فارس وغيرهم ممن تقرأ أسماءهم في كتبه مثل كتاب » فصل الكلام في مواجهة ظلم الحكام «، ولئن أخذ ومضة من كتب ابن تيمية فمن باب قوله تعالى: {وإنْ يَكُن لَهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِين}، مع ذلك فيُفصِّل كلامه على قدّه ببتر نصوصه، واقرأ إن شئت ما كتبه في حكم الإضراب، ينكشف لك ما قلته بلا ارتياب.
لم يتعلم هذا الشابّ على أيدي أهل العلم، فتكوينه العلمي حصيلة دراسته على الكتب، ومن زعم أنه تتلمذ على يدي الشيخ عبداللطيف سلطاني أو الشيخ العرباوي ـ رحمهما الله ـ فقد غلط، بل ماتا وهما ساخطان عليه، وهذا شيء يعرفه كل من يسكن عاصمة الجزائر، ثم كل ما هنالك أن الرجل حضر بصفة متقطعة جداً بعض الدروس التي كان يُلقيها الشيخ العرباوي في مسجد
» جنان المبروك « في شرح كتاب » بداية المجتهد « لابن رشد( ).
وقد بدا لي من خلال معرفتي به الطويلة أن السجن الأول ـ قبل فتنة الأحزاب هذه ـ أثَّر فيه أثراً بالغا، وذلك من ناحيتين:
الأولى: أنه أخبرني هو أنه عكف على كتب الإخوان المسلمين وفَلاَها فَلْياً، بغرض انتقادها ـ كما زعم ـ وسمى لي منها كتب محمد الغزالي والقرضاوي وسيد قطب، لكنه لم يلبث أن تأثر بها؛ يدلُّ عليه انقباضه من العلماء بعد خروجه من السجن الأول، ومن العلماء السلفيين خاصة!
ولئن قلتَ كيف يستقيم هذا ونحن نسمع أنه سلفيّ؟
قلت: إن الذي لم يقنع بما عليه السلفيون منذ عهدهم الأول حتى يبتدع سلفية حركية، لن يجيء ـ مهما طوَّر الأسلوب وحوَّر في العبارات ـ إلا ببنت الإخوانية! ولو قرأتَ لهذا الرجل ما كتب لما استغربت،كيف وجلّ نقولاته عن الإخوان، من سيد قطب وأخيه محمد وعبدالقادر عودة وصلاح الخالدي وحسن البنا وحتى من محمد عبدالقادر أبي فارس وغيرهم ممن تقرأ أسماءهم في كتبه مثل كتاب » فصل الكلام في مواجهة ظلم الحكام «، ولئن أخذ ومضة من كتب ابن تيمية فمن باب قوله تعالى: {وإنْ يَكُن لَهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِين}، مع ذلك فيُفصِّل كلامه على قدّه ببتر نصوصه، واقرأ إن شئت ما كتبه في حكم الإضراب، ينكشف لك ما قلته بلا ارتياب.
بحال الغزالي الذي قال فيه أبو بكر بن العربي: " شيخُنا أبو حامد: بلع الفلاسفة، وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع!
وفي ص (335) من » المسك والعنبر « ترى القرني يكفِّر بالكبيرة؛ حيث يقول: " وهي ـ أي المسكرات والمخدِّرات ـ أعظم ما عُصِيَ الله تعالى به في أرضه!! ".
ومثله أو أفظع منه في التكفير بالكبيرة قولُ سلمان العودة في شريط» جلسة على الرصيف « في مُغَنٍّ يجاهر بفسقه: " هذا لا يَغفر الله له! إلا أن يتوب؛ لأن النبيّ حكم بأنه لا يُعافَى » كلّ أمتي معافى « ...! لأنهم مرتَدُّون بفعلهم هذا!!... هذه رِدَّة عن الإسلام!! هذا مخَلَّد ـ والعياذ بالله ـ في نار جهنم إلا أن يتوب!! لماذا؟ لأنه لا يؤمن بقول الله : {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّه كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً}؛ بالله عليكم! الذي يَعرف أنّ الزنى حرام وفاحشة ويُسخط الله، هل يفتخر أمام الناس؟! أمام الملايين أو فئات الألوف من الناس؟! ... لا يَفعل هذا مؤمن أبدا! ...".
وشبيه بهذا قول سفر الحوالي أيضا في نهاية الوجه الأول وبداية الثاني من شريط » دروس الطحاوية « (2/272): " .. هذا المترو بوليتان عبارة عن فندق في دولة خليجية: دبي .. فيها هذا الفندق، بكل صراحة يقول: إنَّ فيه مشروبات؛ اللي يسمونها المشروبات الروحية، يعني أنه يقدِّم الخمور بالإضافة إلى ما فيه من الشليهات أو ـ أيضا ـ الفيديوات إلى آخره، فهذه دعوة صريحة إلى الخمر، ومملوءة الدعوة ـ أيضا ـ مرفق بذلك: الصور اللي تثبت أنهم ـ والعياذ بالله ـ رقص مختلط وتعرِّي مع شرب للخمر، نعوذ بالله من هذا الكفر؛ لأنَّ استحلال ما حرَّم الله تبارك وتعالى هو بلا ريب كفر صريح !!!".
وقد قال عمرو بن قيس الملائي: " إذا رأيتَ الشَابَّ أوَّلَ ما يَنشأُ مع أهل السنة والجماعة فارْجُه، وإذا رأيتَه مع أهل البدع فايْئَسْ منه؛ فإنّ الشّابَّ على أَوّل نُشُوئه "
ومن عاش أيام الأمن والرخاء في الجزائر، ورأى الفتن التي تموج بالناس اليوم كموج البحر أدرك مغبَّة الخروج على الحكام؛ فقد ظهرت دولة في دولة! واستحرَّ القتل في المسلمين بيد عمياء، واستغل الشيوعيون الوضع للتخلص من بعض المخلصين، واندفع الشباب البريء إلى الهيجاء اندفاعا مجنوناًبسبب فتاوى رُوَيبِضات هذا الزمن، وانتعشَ الكفرُ عند ذوي النعرة البربرية بسبب تسليط علي بن حاج لسانه عليهم بحقّ وبباطل! مع أن الله يقول في المشركين: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}، ولعله لولم يدخل معهم في صراع حزبي لذكر فقه هذه الآية، ولكن ( الكرسي ... )؟! وترى الواحد يمرّ بنقطة التفتيش العسكرية فلا يدري ما يقول؛ لأنها قد تكون من الحكومة وقد تكون من الثوار! كما لا يأمن عندها على أهله؛ فقد سُبِيَت النساء المسلمات من قِبَل جماعته التي ربّاها: ( جماعة التكفير )، واغتُصبت الأموال باسم الغنائم، ومنعوا السلفيين من الدعوة بزعم" أننا في رهج الموت وأنتم لا تزالون في ( حدَّثَنا )؟!!"، وغلَت الأسعار حتى تضاعفت عشرين مرة في كثير من الضروريات، وفُرضت على الشعب ضرائب ثقيلة بسبب النكسة الاقتصادية، وأثقلُ منها الأُرُوش التي تفرضها عليه الجماعة الإسلامية المسلحة باسم الإنفاق في سبيل الله! ومَن لا يَستجيب لهم من الأغنياء فالقتل موعده! وهدموا الجسور والمباني الهامة وقطعوا الطرق التي بذل فيها الشعب أنفس أمواله ... فاجتمع الجوع والخوف كما قال الله تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}. وهذه هي بركة التحزب!
وهو الأمر الذي نقله ابن القيم عن ابن عقيل نقل المقرّ وهو قوله: " فإن أردتَ بقولك: ( لا سياسة إلا ما وافق الشرع ) أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن أردتَ ما نطق به الشرع فغلط وتغليط للصحابة؛ فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما لا يجحده عالم بالسير، ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف كان رأيا اعتمدوا فيه على مصلحة ... "( ).
ولذلك قال ابن نجيم: " وظاهر كلامهم أن السياسة فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرِد بهذا الفعل دليل جزئي "( ).
ولذلك قال ابن نجيم: " وظاهر كلامهم أن السياسة فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرِد بهذا الفعل دليل جزئي "( ).
المشكلة في هذا الصراع المحتدم ثنائية:
الأولى: هل الإصلاح يتم عن طريق إصلاح الحاكم أو عن طريق إصلاح الأمة؟
الثانية: إذا كان لا بدَّ من الممارسة السياسية فمن هم أهلُها؟
أما الجواب عن الأولى ففي نص آية وحديث ـ ولا اجتهاد مع النص ـ قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.
فما أوضحه من بيان! لكن مع وضوحه فأكثر من تسمَّوا بأسماء حركات إسلامية قد اجتهدوا وجاء لسان حالهم يقول: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بحكوماتهم!!
الأولى: هل الإصلاح يتم عن طريق إصلاح الحاكم أو عن طريق إصلاح الأمة؟
الثانية: إذا كان لا بدَّ من الممارسة السياسية فمن هم أهلُها؟
أما الجواب عن الأولى ففي نص آية وحديث ـ ولا اجتهاد مع النص ـ قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.
فما أوضحه من بيان! لكن مع وضوحه فأكثر من تسمَّوا بأسماء حركات إسلامية قد اجتهدوا وجاء لسان حالهم يقول: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بحكوماتهم!!
قال: {وَعَدَ اللهُ الَّذِين ءامَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخلِفَنَّهُمْ في الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}.
المرونة المشروعة في سياسة الخلق يمكن التمثيل لها بما رواه الشعبي قال: قال زياد: " ما غلبني أميرُ المؤمنين ( أي معاوية ) بشيء من السياسة إلا ببابٍ واحدٍ: استعملتُ رجلاً فكثُر خراجه، فخشي أن أعاقبه، ففرّ إلى معاوية، فكتبت إليه: إنّ هذا أدب سوء لمن قبلي، فكتب إليّ: إنه ليس ينبغي لي ولا لك أن نسُوس الناس بسياسة واحدة؛ أن نلين جميعاً فتمرح الناسُ في المعصية، أو نشتدّ جميعاً فنحمل الناسَ على المهالك، ولكن تكون للشدّة والفظاظة، وأكون للِّين والرَّأفة "
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: بينما نحن حول رسول الله إذ ذكروا الفتنة، أو ذكرت عنده قال:» إذا رأيتَ الناس قد مرجت عهودُهم وخفَّت أماناتُهم وكانوا هكذا « وشبّك بين أصابعه، قال: فقمت إليه فقلت له: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: » الْزَمْ بيتك، وأملك لسانك، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة « رواه أبو داود والحاكم وأحمد وهو صحيح.
فإن قيل : ولكن المجتمع بحاجة إلى هذه المناصب ؟ قلنا: نعم! ولكن بشرط أن لا يَمتهن المرءُ فيها دينَه؛ لأنه إن رضي لنفسه أن يكون حطب جهنم في سبيل إنقاذ غيره، فإن له أسوة بمن قال فيه رسول الله : » لا بد للناس من عريف، والعريف في النار « رواه أبو الشيخ في » طبقات الأصبهانيين « وغيره( ).
فإن قيل : ولكن المجتمع بحاجة إلى هذه المناصب ؟ قلنا: نعم! ولكن بشرط أن لا يَمتهن المرءُ فيها دينَه؛ لأنه إن رضي لنفسه أن يكون حطب جهنم في سبيل إنقاذ غيره، فإن له أسوة بمن قال فيه رسول الله : » لا بد للناس من عريف، والعريف في النار « رواه أبو الشيخ في » طبقات الأصبهانيين « وغيره( ).
قال ابن القيم
ـ رحمه الله ـ( ): " العالم بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة فهو المجتهد في النوازل( )، فهذا النوع الذي يَسوغ لهم الإفتاء ويَسوغ استفتاؤهم ويتأدى بهم فرضُ الاجتهاد، وهم الذين قال فيهم رسول الله : » إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّد لها
دينها «( ) ".
ـ رحمه الله ـ( ): " العالم بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة فهو المجتهد في النوازل( )، فهذا النوع الذي يَسوغ لهم الإفتاء ويَسوغ استفتاؤهم ويتأدى بهم فرضُ الاجتهاد، وهم الذين قال فيهم رسول الله : » إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّد لها
دينها «( ) ".
قال أبو حاتم الرازي ـ رحمه الله ـ:
" مذهبنا واختيارنا اتِّباعُ رسول الله وأصحابه والتَّابعين ومَن بعدهم بإحسانٍ ... ولزوم الكتاب والسنة والذَّبّ عن الأئمّة المتَّبِعة لآثار السلف، واختيار ما اختاره أهلُ السنة من الأئمة في الأمصار، مثل مالك بن أنس في المدينة، والأوزاعي بالشّام، والليث بن سعد بمصر، وسفيان الثوري وحمّاد بن زيد بالعراق، مِنَ الحوادث ممَّا لا يوجد فيه رواية عن النبيّ والصحابة والتَّابعين، وتَرْك رأي المُلَبِّسين المُمَوِّهين المزخرفين الممخرِقين الكذَّابين!" ( ).
" مذهبنا واختيارنا اتِّباعُ رسول الله وأصحابه والتَّابعين ومَن بعدهم بإحسانٍ ... ولزوم الكتاب والسنة والذَّبّ عن الأئمّة المتَّبِعة لآثار السلف، واختيار ما اختاره أهلُ السنة من الأئمة في الأمصار، مثل مالك بن أنس في المدينة، والأوزاعي بالشّام، والليث بن سعد بمصر، وسفيان الثوري وحمّاد بن زيد بالعراق، مِنَ الحوادث ممَّا لا يوجد فيه رواية عن النبيّ والصحابة والتَّابعين، وتَرْك رأي المُلَبِّسين المُمَوِّهين المزخرفين الممخرِقين الكذَّابين!" ( ).
ولما أضحى العملُ السياسي ـ الذي يؤمّه الشبابُ اليوم ـ مطيّةً للولوغ به إلى العنف المسمَّى زوراً جهاداً، ولما كان هؤلاء ـ أنصافُ المتعلِّمين ـ يهجمون بلا تردّد ولا تحفُّظ على البحث في دقائق مسائل الجهاد، أجدني حينئذ حريصاً على نقل كلمة عظيمة لابن تيمية ـ رحمه الله ـ قالها في معرض كلامه عن الجهاد، فقال: " وفي الجملة فالبحثُ في هذه الدَّقائق من وظيفة خَواصّ أهل العلم "( ).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : » سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرُّوَيْبِضة «، قيل: وما الرويبضة؟ قال:
» الرجل التافه يتكلم في أمر العامة « رواه ابن ماجه وهو صحيح.
قال أبو شامة: " وأكثر ما أُتي الناس في البدع بهذا السبب؛ يُظَنُّ في شخص أنه من أهل العلم والتقوى، وليس هو في نفس الأمر كذلك، فيَرْمقون أقواله وأفعاله، فيَتَّبِعونه في ذلك، فتفسد أمورهم؛ ففي الحديث عن ثوبان أن النبي قال: (( إنّ مما أتخوَّف على أمتي الأئمةَ المُضلِّين )) أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال: هذا حديث صحيح، وفي (( الصحيح )) أن النبي قال: (( إنّ
الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يَقبض
العلم بقبض العلماء، وحتى إذا لم يَبق عالمٌ اتَّخذ الناسُ رؤوساً
جهالا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأَضلُّوا ))، قال الإمام الطرطوشي
ـ رحمه الله ـ: فتدبَّروا هذا الحديث؛ فإنه يدلّ على أنه لا يُؤتَى الناسُ قط من قِبَل علمائهم، وإنما يُؤتَوْن من قِبل أنه إذا مات علماؤهم أفتَى مَن ليس بعالم، فيُؤتَى الناسُ من قِبَله، قال: وقد صرَّف عمر هذا المعنى تصريفاً فقال: ( ما خان أمين قط، ولكن ائتُمن غير أمين فخان )، قال: ونحن نقول: ما ابتدع عالِم قطّ، ولكن استُفتي مِن ليس بعالم فضلّ وأضلّ، وكذلك فعل ربيعة؛ قال مالك: بكى ربيعةُ يوماً بكاءً شديداً، فقيل له: أمصيبة نزلت بك؟ فقال: ( لا! ولكن استُفتي مَن لا عِلم عنده وظهر في الإسلام أمر
عظيم )( )"( ).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : » سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرُّوَيْبِضة «، قيل: وما الرويبضة؟ قال:
» الرجل التافه يتكلم في أمر العامة « رواه ابن ماجه وهو صحيح.
قال أبو شامة: " وأكثر ما أُتي الناس في البدع بهذا السبب؛ يُظَنُّ في شخص أنه من أهل العلم والتقوى، وليس هو في نفس الأمر كذلك، فيَرْمقون أقواله وأفعاله، فيَتَّبِعونه في ذلك، فتفسد أمورهم؛ ففي الحديث عن ثوبان أن النبي قال: (( إنّ مما أتخوَّف على أمتي الأئمةَ المُضلِّين )) أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال: هذا حديث صحيح، وفي (( الصحيح )) أن النبي قال: (( إنّ
الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يَقبض
العلم بقبض العلماء، وحتى إذا لم يَبق عالمٌ اتَّخذ الناسُ رؤوساً
جهالا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأَضلُّوا ))، قال الإمام الطرطوشي
ـ رحمه الله ـ: فتدبَّروا هذا الحديث؛ فإنه يدلّ على أنه لا يُؤتَى الناسُ قط من قِبَل علمائهم، وإنما يُؤتَوْن من قِبل أنه إذا مات علماؤهم أفتَى مَن ليس بعالم، فيُؤتَى الناسُ من قِبَله، قال: وقد صرَّف عمر هذا المعنى تصريفاً فقال: ( ما خان أمين قط، ولكن ائتُمن غير أمين فخان )، قال: ونحن نقول: ما ابتدع عالِم قطّ، ولكن استُفتي مِن ليس بعالم فضلّ وأضلّ، وكذلك فعل ربيعة؛ قال مالك: بكى ربيعةُ يوماً بكاءً شديداً، فقيل له: أمصيبة نزلت بك؟ فقال: ( لا! ولكن استُفتي مَن لا عِلم عنده وظهر في الإسلام أمر
عظيم )( )"( ).
قلت: لقد قلت لنائب علي بن حاج: الهاشمي سحنوني في مسجد صلاح الدين بحيّ بلكور في العاصمة ـ وهو يستعدّ لأول مظاهرة لجبهته ـ: " قد سألنا العلماء: الشيخ الألباني والشيخ ابن باز عن حكم المظاهرة، فمنعاها، فمَن أئمّتكم في هذا الشأن؟ فقال: " كما لكم علماء، فلنا علماء! ".
قلتُ: مَن هم؟ قال: " عبد الرحمن عبد الخالق ومحمد قطب!!".
فتأمّل ـ أخي القاريء! ـ هذا الذي لا يُفرِّق بين عالم وحالم! وبين فقيه ومفكِّر حائر!! فكيف لا يبكي ربيعة ـ رحمة الله عليه ـ؟!
ومن ثمارهم تعرفونهم؛ فقد قُتل في هذه المظاهرة مئات!!
قلتُ: مَن هم؟ قال: " عبد الرحمن عبد الخالق ومحمد قطب!!".
فتأمّل ـ أخي القاريء! ـ هذا الذي لا يُفرِّق بين عالم وحالم! وبين فقيه ومفكِّر حائر!! فكيف لا يبكي ربيعة ـ رحمة الله عليه ـ؟!
ومن ثمارهم تعرفونهم؛ فقد قُتل في هذه المظاهرة مئات!!
وقد كان رسول الله لا يشاور في القضايا السياسية إلا أبا بكر وعمر ومن هم على مستواهما، وما قصة أسرى بدر عنكم ببعيد.
ومما يدل على أن أهل العلم المبرزين كان لهم مجلس خاص بهم لا يشاركهم فيه غيرهم ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يُدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم:لِمَ يدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: " إنه ممن قد علمتم ".
وإنما امتاز ابن عباس بالدخول على المجتهدين دون غيره من الشباب لتميُّزه عنهم بدعاء الرسول : » اللهم فقِّهه في الدين وعَلِّمه التأويل «
ومما يدل على أن أهل العلم المبرزين كان لهم مجلس خاص بهم لا يشاركهم فيه غيرهم ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يُدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم:لِمَ يدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: " إنه ممن قد علمتم ".
وإنما امتاز ابن عباس بالدخول على المجتهدين دون غيره من الشباب لتميُّزه عنهم بدعاء الرسول : » اللهم فقِّهه في الدين وعَلِّمه التأويل «
ثم ألا تذكرون قصة الشورى في اختيار الخليفة من بعد عمر؟ ألم يكن الصحابة أكثر من عشرة آلاف؟ فلم يزد الأمر على أن تشاور ستة من أعيانهم فقط. وشبابنا اليوم يريدون من كبار المشايخ أن يخرجوا من الكتب الصفراء ليشاركوا أمتهم أحزانها زعموا، يريدون منهم أن يكونوا تحت ضغط الاستفزازات السياسية، ألا فهاكم كلمة حكيمة للشيخ ابن عثيمين ـ حفظه الله ـ لما سأله بعض المستعجلين في جرأة سخيفة: لماذا لا تردون على الحكام وتُبَيِّنوا ذلك للناس؟
قال الشيخ في وقاره وحلمه: " .. ولكن النصح مبذول ... والله! أنا أعلمتُك يا أخ ( فلان! ) وأعلمتُ الإخوان أن بيان ما نفعله مع الولاة فيه مفسدتان:
المفسدة الأولى: أن الإنسان يَخشى على نفسه من الرياء، فيبطل عمله.
المفسدة الثانية: أن الولاة لو لم يُطيعوا صار حجة على الولاة عند العامة فثاروا، وحصَل مفسدة أكبر "( ).
المفسدة الأولى: أن الإنسان يَخشى على نفسه من الرياء، فيبطل عمله.
المفسدة الثانية: أن الولاة لو لم يُطيعوا صار حجة على الولاة عند العامة فثاروا، وحصَل مفسدة أكبر "( ).
وقال ابن عباس: ( كونوا ربانيين ) حكماء فقهاء، ويقال الرباني: الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ". اهـ من » صحيح البخاري «.
وقال ابن القيّم ـ رحمه الله ـ: " وفيه أيضا تنبيه لأهل العلم على تربية الأمة كما يُربي الوالدُ ولدَه؛ فيُرَبّونهم بالتدريج والترقي من صغار العلم إلى كباره، وتحميلهم منه ما يطيقون كما يفعل الأب بولده الطفل في إيصال الغذاء إليه ... "( ).
وقال مالك: " اعلم أنه ليس يسلم الرجل حدّث بكل ما سمع، ولا يكون إماما أبدا وهو يحدث بكل ما سمع " رواه مسلم في مقدمة » صحيحه «.
إن من يعلّم الناس عامةً القضايا السياسية ليس ربانيا، وإن زعم أنه يريد توعية الغافلين وتحريك الجامدين، أو يريد تحقيق شمولية العمل الإسلامي، ألا ترى ما بوب له البخاري حين قال: " باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا " وروى فيه عن علي قوله: " حدِّثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكَذَّب الله ورسوله؟! "، وفي » صحيح مسلم « أن ابن مسعود قال:
" ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ".
" ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ".
قال الشاطبي ـ رحمه الله ـ: " فإذا بلغ الإنسان مبلغا فَهِمَ عن الشارع فيه قَصْدَه في كل مسألة من مسائل الشريعة، وفي كل باب من أبوابها، فقد حصل له وصفٌ هو السبب في تنزّله منزلة الخليفة للنبي في التعليم والفتيا والحكم بما أراه الله "
وقال الشاطبيّ: " إنّ العلماء نقلوا الاتّفاق على أنّ الإمامة الكبرى لا تنعقد إلا لمن نال رتبة الاجتهاد والفتوى في علوم الشرع "( ).
قلت: وهذا الاتّفاق لا يضره وجود المخالف؛ لأنّ من خالف فقد شرط الاجتهاد فيمن يستفتيه الإمام كما قال الشهرستاني: " ولكن يجب أن يكون معه من يكون من أهل الاجتهاد فيراجعه في الأحكام "( ). فعاد الأمر إلى اشتراط الاجتهاد سواء في الإمام نفسه أو فيمن يرجع إليه الإمامُ من الفقهاء.
قلت: وهذا الاتّفاق لا يضره وجود المخالف؛ لأنّ من خالف فقد شرط الاجتهاد فيمن يستفتيه الإمام كما قال الشهرستاني: " ولكن يجب أن يكون معه من يكون من أهل الاجتهاد فيراجعه في الأحكام "( ). فعاد الأمر إلى اشتراط الاجتهاد سواء في الإمام نفسه أو فيمن يرجع إليه الإمامُ من الفقهاء.
ـ ومثله قوله تعالى: {ويَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِنْهُ ذِكْراً، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ في الأَرْضِ وَءَاتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً}، قال ابن عباس وسعيد بن جبير والسُّدي وغيرهم: " يعني عِلْماً "( )؛ أي من كل شيء علماً، إذن فهي الإحاطة بكل فنون العلم.
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......
......