كتاب الأمير لميكافيللي.

    دونها: السعيد بوحملة التصنيف: »


    كتاب الأمير ~ مدونة أفنان


    اقتباساتي من الكتاب:





    أثار كتاب ميكافيللي جدلاً كبيراً عندما نشر في أوربا لأول مرّة، فهو يتناول أخلاقيات السياسة، وهو شيء لم يسبقه أحد إليه، إلا أن أغلب النقّاد في تلك الفترة أجمعوا على ما فيه من أخلاقيات شريرة، قالوا إن الكتاب لا يناسب سورى الطغاة الأشرار من الحكّام.
    ومما ساعد على تفشّّي السمعة السيئة للكتاب وصاحبه أنه قد صدر قرار سنة 1559م بإدراج جميع أعمال ميكافيللي في قائمة الكتب الممنوع نشرها، كم أن كثير من الجبابرة والطغاة كانوا يحبون قراءة كتابه "الأمير"، فيُقال إن "موسيليني" قد اختاره موضوعا لرسالة الدكتوراه أيام دراسته، وكان "هتلر" يضع هذا الكتاب على مقربة من سريره، ويقرأ فيه في كل ليلة قبل أن ينام. فلا غرابة إذن لو علمنا أن "ماكس ليرنو" قد قال في مقدمته لكتاب "أحاديث": إن "لينين وستالين" قد تتلمذا أيضا على ميكافيللي.

    ... أما القسوة فتقيم النظام وتمنع الفوضى وتحقق الوحدة وتقضي على الفتنة وهي في المهد، كما أن رضا الرعايا متغير فلا تعتمد في استمرار حكمك على رضاهم، بل اعتمد على قوتك فهي إن دامت سيدوم حكمك.

    بالنسبة لأسلوب الثعلب، على الأميري أن لا يفي بالعهود التي يقطعها على نفسه للأمراء الآخرين إلا إذا كان في الوفاء بالعهد مصلحة.

    ...حيث أن الأمير الشرعي المحبوب من شعبه، الذي لا توجد له رذائل مفضوحة أمام الناس لا يحب شعبه التخلص منه، ومن الطبيعي لشعبه أن يتمسك به، ومن الطبيعي أن يتناسى الأسباب والدواعي البسيطة التي تدعوه لتغيير الحكام.

    ...والآن يجب أن نعرف أسباب سقوطها في المرة الثانية وكيف كان يمكن لفرنسا أن تتجنب هذا السقوط وما هي الإجراءات التي كان يجب اتخاذها لو أن هناك حاكما آخر في مكان ملك فرنسا ليتجنب فقدان السيطرة على جزء من مملكته، وأول ما يجب علينا أن نسأل عنه هو ما إذا كانت هذه الأقاليم تتكلم نفس لغة وجنسية الدولة التي تضمها أم لا. فإذا كانت اللغة والجنسية واحدة فإنه من السهل ضم هذه الأقاليم والسيطرة عليها.

    ومن يسيطر على أرض ويريد أن يحتفظ بها لابد أن يضع في اعتباره أمرين: أورهما القضاء على الأسرة الحاكمة السابقة قضاءً مبرما، وثانيهما عدم تغيير أي قوانين أو ضرائب خاصة بهذه البلاد وبهذه الطريقة ستصبح جزءًا من الاتحاد في وقت قصير جدا، وتصبح الدولة كيانا واحدا.

    هناك قاعدة تقول: إن أي أجنبي قوي يدخل إلى بلد فإن كل المستضعفين من سكانها سيؤيدون هذا الأجنبي مدفوعين في ذلك بحقدهم على حكامهم. ولا يتكبد الأمير أي عناء في ضمهم إليه.

    من يصبح حاكما لمدينة حرة ولا يدمرها فليتوقع أن تقضي هي عليه، لأنها ستجد دائما الدافع للتمرد باسم الحرية وباسم أحوالها القديمة، وهي أشياء لا تنسى لا بمرور الزمن ولا بما يناله أهلها من مزايا. ومهما فعل الحاكم ومهما احتاط فإن أهل المدينة سيستجيبون لندائها فورا عند حدوث أي طارئ.

    لأن من يريد الإصلاح لابد له من أعداء، وهم جميع من كانوا يستفيدون من النظام القديم، وهم أيضا من يؤيده بفتور رغم استفادتهم من النظام الجديد.

    ... ما ذكرناه يرجع إلى أن طبيعة البشر متقلبة ومن السهل تحفيزهم لشيء ما، ولكن من الصعب استمرار هذا الحافز ولذلك يجب أن نرتب أمورنا حتى يمكننا أن نستخدم القوة معهم لنردهم إلى الإيمان بما ارتدوا عنه، ولو كان كل من موسى ـ عليه السلام ـ وكورش وتيسيوس ورومولوس عزّلاً من السلاح لما استطاعوا أن يجعلوا الآخرين يحترمون دساتيرهم لفترات طويلة.

    فإن كل من يُعِدّ الضروريات لتأمين إمارته الجيدة أن يؤمن نفسه ضد أعدائه، وأن يكسب الأصدقاء، وأن تكون له الغلبة بالقوة أو بالخديعة، وأن يحبه الشعب ويخشاه، حيث يسير جنوده خلفه ويحترمونه، وأن يسحق من يستطيع أن يؤذيه، أو من الممكن أن يؤذيه، وأن يستبدل القديم من الأوضاع بكل ما هو حديث وأن يكون صارما وشفيقاً في الوقت نفسه، كريم الخصال واسع المدارك، وأن يلغي نظام الجندية القديم ويحلّ محله نظاما جديدا وأن يحافظ على صداقته مع الملوك والأمراء بطريقة تسعدهم إذا فعلوا ما يفيده، وتخيفهم منه إذا ناله منهم مضرة.

    إن من يظن أن المنفعة الحديثة تمحو أثر الإساءة القديمة من نفوس العظماء يخطئ خطأ جسيماً.

    ...لكن قتل المواطنين لا يعتبر من الفضائل، كما أن التغرير بالأصدقاء، وفقدان العقيدة، والرحمة، والدين، يمكن أن يصل بنا إلى القوة وليس إلى المجد.

    حسن ارتكاب الجريمة القاسية (إذا كان بإمكاننا استخدام كلمة "حُسن" عند الحديث عن النوايا الشريرة) يمكـّن من جني الثمار فيما بعد، أما عندما ترتكب هذه الفظائع بطريقة خاطئة فإنها تزيد من أعداد من يعارضوننا مع مرور الوقت، ولا تقضي عليهم.

    ومن والملاحظ إذن أنه عندما نستولي على ولاية، فإن على المنتصر أن يخطط لجميع جرائمه مرة واحدة حتى لا يضطر للعودة إليها في وقت آخر، وأن تكون له القدرة على اتخاذ قرارات جديدة تؤكد للعامة الحرص على مصلحتهم ليكسبهم إلى صفه ومن يفعل غير ذلك عن جبن أو بناءً على نصيحة من حوله سيظل من المفروض عليه أن يقف وفي يده الخنجر، ولن يتمكن أبدا من الاعتماد على رعاياه، لأنهم لن يثقوا به، بسبب كثرة مشكلاته وأخطائه، وإذا كانت الأخطاء لابد واقعة فيحسن أن تكون دفعة واحدة حتى تكون أقل تأثيرا من واقعات متعددة تبقى آثارها.

    فالرعايا في حاجة إلى الإمارة وهم مستعدون للإعلان أن حياتهم فداء للأمير، لأن الموت بعيد عنهم، ولكن في ساعة العسرة، وحين تحتاج الدولة إلى المواطنين، لن يجد الأمير منهم في ذلك الوقت إلا القليل، وهي تجربة شديدة الخطر ولا يمكن أن تحدث إلا مرة واحدة، وعلى ذلك فإن الأمير الحكيم يجب عليه أن يبحث عن وسائل تجعل رعاياه في حاجة مستمرة إلى حكومته، وحينئذ سيخلصون الولاء له دائماً.

    ...وخلاصة القول هو: أن قصارى الخطر المتمثل في القوات المرتزقة يكمن في جبنها وتخاذلها عن القتال، لكن القوات المعاونة خطورتها تنبع من شجاعتها.
    والأمير المحنّك إذن يتجنب دائما هذين النوعين من القوات وله مصادره الخاصة للقوات، وهو يفضل الهزيمة على يد قواته الخاصة على النصر على يد قوات الآخرين، فهو لا يعتقد أن هذا الذي تحققه القوات الأجنبية سيكون نصرا حقيقيا.

    لذلك أنهي حديثي بالتأكيد على أنه لا سلامة لأمير يحتمي بقوات مسلحة غير قواته الوطنية، فبدون قواته المسلحة الوطنية يتوقف مصيره على حسن الطالع فقط.

    ... ولا توجد صفة تحطم نفسها بنفسها مثل صفة الكرم، لأنه كلما زاد كرم المرء فإنه فقد القدرة على المزيد منه، فيتحول إما إلى فقير حقير، أو جشع مكروه حتى يتحاشى الفقر.

    ... لذا يجب على الأمير ألا يعبأ بأن يوصف بالشدة مادامت هذه الشدة من أجل الحفاظ على مواطنيه وولائهم له، وذلك لأنه حين يكون شديد مع عدد قليل جدا من الناس، هو بذلك أفضل من الأمراء الذين يفرطون في اللين مما يسبب وقوع الاضطرابات وتسيل الدماء ويحدث النهب والسلب، وهذه أمور تضرّ الكثيرين بصفة عامة، لكن تنفيذ حكم الإعدام في عدد قليل من الناس لن يؤذي أحدا غيرهم، والأمير حديث العهد بالإمارة فقط هو من في حاجة شديدة دون بقية الأمراء للاشتهار بالشدة، لأن الولايات الجديدة تعاني دائما من الأخطار.

    ومن هنا تبزغ مشكلة المفاضلة بين وجوب أن يكون الأمير محبوبا أكثر منه مهاباً، أم مهاباً أكثر منه محبوباً، والجواب هو أنه ينبغي على الانسان أن يكون محبوبا ومهابا في القوت نفسه، ولما كان من الصعب الحفاظ على الصفتين معاً، فإن المهابة في هذه الحالة أفضل بكثير إذا كنا لا نستطيع إيجاد الصفتين معا، لأنه من الممكن أن نقول عن عامة البشر أنهم ينكرون المعروف، ويحبون المراوغة في الحديث ومراءون، حريصون على تجنب الخطر، راغبون في الكسب، هم أعوانك طالما استفادوا منك، وهم يفدونك بالدم وبحياتهم وأولادهم حين لا يكون هناك داع لذلك، ولكن حين تقترب الأخطار ينقلبون عليك، إن الأمير الذي يعتمد على وعود رعاياه يهلك.

    ...إن البشر يترددون في الإساءة إلى من يحبون أقل من ترددهم في إيذاء من يهابون، وذلك لأن الحب مرتبط بسلسلة من الارتباطات التي تتفكك عندما تؤدي غرضها "وذلك بسبب أنانية الناس" ولكنّ استخدام المهابة والخوف من العقاب طريقة صحيحة لا تفشل أبداً.

    كلـّنا نعرف مدى الثناء الذي يناله الأمير الذي يحفظ عهده ويحيا حياة مستقيمة دون مكر، لكنّ تجارب عصرنا هذا تدلّ على أن أولئك الأمراء الذي حققوا أعمالاً عظيمة هم من لم يصونوا العهد إلا قليلا، وهم من استطاعوا أن يؤثروا على العقول، بما لهم من مكر، كما استطاعوا التغلب على من جعلوا الأمانة هاديا لهم.

    على المرء إذن أن يكون ثعلباً ليواجه الفخاخ ويكون أيضا أسدا ليخيف الذئاب ومن يريد أن يكون أسدا فقط لا يفهم الأمور جيدا، فعلى الأمير إذن ألا يحفظ عهدا يكون الوفاء به ضد مصلحته، وألا يستمر في الوفاء بوعد انتهت أسباب الارتباط به وقد يكون هذا المبدأ شريرا، لكنّ هذا يصدق فقط في حالة ما إذا كان جميع البشر من الأخيار، لكن إذا كانوا جميعا من الأشرار ولن يرعوا عهودهم معك فهذا يسمح لك أن تكون في حلّ من عهودهم، فلم يفشل أي حاكم في اختلاق الأعذار المقبولة التي يبرر بها عدم الوفاء بالعهد، وهناك عدد لا حصر له من الأمثلة في العصر الحديث تؤكد ذلك.
    ولن أذكر سوى مثال حديث واحد، حيث لم يفعل "الاسكندر السادس" شيئاً سوى التغرير بالناس، فلم يفكر بغير ذلك، ودائماً ما واتته الفرصة الحقيقية فلم يتفوق عليه أحد في قدرته على توفير الضمانات، وتأكيد الأمور بالحلف الكاذب، ولم يتفوق عليه أحد في عدم الوفاء بالعهد، وكانت حيله دائما موفقة تحت أي ظروف، لأنه كان يفهم جيدا هذا الأمر.

    ... في كافة أعمال البشر ـ وخاصة الأمراء ـ فإن الغاية تبرر الوسيلة، وهذا حكم لا يمكن نقضه، فعلى الأمير إذن أن يهدف للفوز بالولاية والمحافظة عليها، وسوف يحكم الجميع على وسائله بأنها شريفة، ويمدحونها أيضا، فعامّة الناس يحكمون على الأشياء من مظهرها الخارجي، وهذا العالم لا يتكون إلا من هؤلاء العامة، أما غير الساذجين فهم قلّة تنعزل حين تجد الكثرة مجتمعة حول الأمير.

    وما من شك في أن الأمراء يصبحون عظماء حين يتغلبون على ما يواجهونه من معارضة ومن صعاب مما جعل البعض يظنّ أنه على الأمير العاقل أن يثير العداء بين الرعية بدهاء حين تسنح الفرصة، حتى تزيد عظمته حين يسيطر عليهم ويكبحهم.

    ... نرى أن اكتساب صداقة الذين كانوا غير راضين عنك في النظام القديم، ومن كانوا أعداءً لنا في بداية العهد، أسهل بكثير من كسب صداقة من ساعدوا الأمير على الاستحواذ على ولاية جديدة لسخطهم على النظام القديم.

    ويُحترم الأمير بشدة إذا كان مخلصا في الصداقة أو شديد العداء، وذلك حين يعلن بصراحة تامة تأييده أو عداءه لفرد ما، وهي سياسة أكثر نفعاً له من أن يبدو محايداً دائماًً، فإذا بدأ القتال بين دولتين متجاورتين فقد يخشى انتصار أي منهما، وأياً كان الحال من الأفضل لك أن تعلن موقفك بوضوح.

    ...والأمراء ضعاف الهمة عادة ما يفضلون الحياد تحاشياً للأخطار، وهي طريقة غالباً ما تدمرهم.

    ... وليس هنالك طريقة أخرى أمام المرء يقي بها نفسه شرّ التملق سوى أن يدع الناس يدركون أن يحب أن يسمع منهم الحقيقة، لكنّنك تفقد احترامهم لك لو سمحت لكل منهم أن يخبرك بالحقيقة، ولذلك على الأمير أن يتبع طريقة ثالثة، وهي أن يختار من ينصحونه من حكماء الناس ويمنحهم الحرية التامة كي يتحدثوا إليه عما يسألهم عنه من أمور فقط، وليس عن أي شيء آخر ، وعليه أن يسألهم عن كل شيء، ويسمع رأيهم، ثمّ يتناول الأمر مع نفسه وعلى طريقته الخاصة، وأن يجتمع بنفسه مع مجالسهم، ومع كلّ منهم على انفراد، حتى يستطيع كلّ منهم أن يدرك أنه كلما كان ذا رأي ر كان أكثر قبولاً عند الأمير ولا يجب على الأمير أن يستمع إلى غير هؤلاء الذي أعدهم لهذا.

    وإني أشبه الحظ بالنهر الهائج القوي سريع التيار، الذي يفيض على السهول ويقتلع الشجر وينقل التربة من مكان لآخر، يفر الناس من أمامه، ويستسلم الجميع لهيجانه، ولا يقوون على الوقوف أمامه، ومع ذلك ورغم طبيعته هذه فإن الناس يظلون قادرين على مواجهته والاحتراس منه، فهم يبنون السدود والجسور حين يكون هادئاً، فإذا ما هاج يجري في قناة وتقلّ خطورته واندفاعه وبالمثل نجد أن الحظ تظهر قوته فقط إذا لم تكن هناك تدابير متخذة ضده، فيوجه نفسه إلى حيث لا توجد تدابير ضده.

    ... وإني أرى أن الإقدام أفضل من الحذر، فالحظ امرأة لن تظفر بها إلا بالقوة، ومن الممكن أن نلاحظ أن الحظ يستسلم للشجاع أكثر من أولئك الذين يعملون بروية، ولهذا فالحظ كالمرأة، يصادق الشباب دائماً، لأنهم أكثر عنفاً وأقل حذراً، ولذلك فهم يسيطرون عليه بجرأة تفوق جرأة الآخرين.

    عدد زوار المدونة: